القرامطة

7

نشأة القرامطة وتأسيس دولتهم


القرامطة، أو الحركة القرمطية، هي فرقة دينية متشددة نشأت من المذهب الإسماعيلي، وتميزت بفكرها السياسي المتطرف. تأسست كحركة ثورية اجتماعية وسياسية ضد الخلافة العباسية السنية، كما حاربت الخلافة الفاطمية الإسماعيلية. تمكن أبو سعيد الجنابي، ذو الأصول الفارسية، من تأسيس دولة القرامطة في البحرين، إلا أن دعوتهم انتشرت في اليمن ونواحي اليمامة والحجاز وأطراف الشام وحتى أبواب مصر.

أسس الحركة الدينية للقرامطة حمدان قرمط، الذي بدأ بنشر الدعوة في العراق. وأرسل أبو سعيد الجنابي، أحد أبرز دعاته، إلى البحرين، حيث استغل العمل التجاري كوسيلة لنشر فكر الحركة. بعد أن كثر أتباعه، أعلن الثورة عام 286 هـ / 899 م، واستطاع فرض سيطرته على البحرين، مستخدماً أساليب متطرفة لترهيب معارضيه. قبل وفاته، أوصى بحكم الدولة لابنه سليمان، ولكن شقيقه الأكبر، أبو القاسم، تولى الحكم مؤقتًا حتى بلوغ سليمان سن الرشد.

توسع القرامطة وتهديد الخلافة العباسية


تولى سليمان بن الحسن، الملقب بأبي طاهر الجنابي، حكم القرامطة عام 310 هـ / 923 م، وكان شابًا طموحًا في السابعة عشرة من عمره. بدأ بمهاجمة الدولة العباسية التي كانت تعاني ضعفًا شديدًا. في عامه الأول، هاجم البصرة ونهبها، ثم دمر الكوفة وهزم الجيش العباسي. حتى إنه كاد يدخل بغداد، لكن الاستعدادات العباسية حالت دون ذلك.

وفي واحدة من أكثر الهجمات صدمة في التاريخ الإسلامي، قام أبو طاهر عام 317 هـ / 930 م بمهاجمة مكة المكرمة خلال موسم الحج. خدع حامية مكة بزعمه أنه جاء للسلام، ثم قام رجاله بقتل آلاف الحجاج، ونهب المدينة، وخلع باب الكعبة، وسرق كسوتها، واقتلع الحجر الأسود ليأخذه إلى عاصمته في الأحساء.

محاولة إنشاء دولة المهدي واستمرار هجمات القرامطة


اعتقد أبو طاهر أنه وجد المهدي المنتظر، فقام عام 318 هـ / 931 م بتسليم الدولة لشاب فارسي يُدعى أبو الفضل الأصفهاني، الذي ادعى النسب الساساني. لكنه بدأ بتنفيذ سياسات متطرفة، منها الدعوة إلى إحياء المجوسية وحرق الكتب الإسلامية. تسبب ذلك في اضطراب داخل الحركة، حتى دبرت والدة أبو طاهر مؤامرة للإطاحة به، وانتهى الأمر باغتياله على يد أبو القاسم سعيد، شقيق أبي طاهر.

استمر القرامطة في شن غاراتهم، حيث استهدفوا قوافل الحجاج، وفشلت محاولات العباسيين والفاطميين في إقناعهم بإعادة الحجر الأسود. لكن في النهاية، وبسبب تهديد الحاكم الفاطمي العزيز بالله، اضطر القرامطة إلى إعادته عام 339 هـ / 951 م، بعد أن بقي بحوزتهم قرابة 22 عامًا.

الصراع مع الفاطميين وتراجع نفوذ القرامطة


قاد الحسن الأعصم، القائد العسكري للقرامطة، حروبًا ضد الإخشيديين بين عامي 968 و977 م، حيث سيطر على دمشق والرملة، وأجبر السكان على دفع الجزية. لكن بعد صعود الفاطميين في مصر، اصطدم القرامطة بهم، وحاولوا مرارًا الزحف نحو مصر، إلا أن الفاطميين تمكنوا من هزيمتهم.

بدأ القرامطة في فقدان نفوذهم تدريجيًا، خاصة بعد هزيمتهم أمام العباسيين عام 354 هـ / 976 م. كما انقسمت الدولة بين الإخوة الحاكمين، وتعرضت لهجمات مستمرة من القبائل العربية. بحلول عام 1077 م، اختفى القرامطة نهائيًا بعد أن فقدوا أسطولهم في جزيرة البحرين، وطُردوا من الأحساء على يد العيونيين، بدعم من السلاجقة والخلافة العباسية.

التاريخ العقائدي للقرامطة


بعد وفاة الإمام جعفر الصادق، انقسم الشيعة إلى فريقين:

1. الإثنا عشرية الذين آمنوا بإمامة موسى الكاظم.

2. الإسماعيلية الذين أقروا بإمامة إسماعيل بن جعفر وابنه محمد.

في ظل اضطهاد الدولة العباسية، تبنى الإسماعيليون مبدأ الإمام الغائب، ونشروا دعوتهم سرًا. خلال ضعف العباسيين في القرن التاسع الميلادي، انتشرت الدعوة الإسماعيلية في اليمن، العراق، البحرين، فارس، والمغرب. قاد الدعوة في العراق حمدان قرمط، الذي أرسل أبو سعيد الجنابي إلى البحرين، حيث نجح في تأسيس الدولة القرمطية.

لكن عندما أعلن عبيد الله المهدي – مؤسس الدولة الفاطمية – نفسه إمامًا عام 899 م، رفض القرامطة الاعتراف به، واستمروا في التمسك بفكرة “الإمام الغائب”، مما أدى إلى انفصالهم عن الفاطميين.

العلاقة بين القرامطة والخلافة الفاطمية


هاجر بعض أتباع القرامطة إلى مصر، لكن الفاطميين لم يرحبوا بهم، بل حاربوهم. بعد أن نهب القرامطة مكة وأخذوا الحجر الأسود، بعث الخليفة الفاطمي المهدي العلوي رسالة تهديد إلى أبي طاهر القرمطي، يطالبه بإعادته. استجاب القرامطة في النهاية للضغوط، وأعادوا الحجر بعد 22 عامًا.

القرامطة اقتصاديًا


كانت الدولة القرمطية تعتمد على الضرائب، التجارة، والغنائم. أنشأ القرامطة نظامًا اقتصاديًا داعمًا للزراعة، حيث حفروا قنوات الري وزرعوا النخيل. كما فرضوا ضرائب على الدولة العباسية، وكانت إيراداتهم تتجاوز المليون دينار سنويًا، بفضل السيطرة على موانئ البحرين، قوافل الحج، وسفن التجارة في الخليج.

صور ووثائق


القبائل العربية والقرامطة


• القبائل الموالية للقرامطة: بني هلال، بني سليم، بني معقل، بني كلاب، فزارة، أشجع، وغيرهم.

• القبائل المناهضة للقرامطة: قبيلة هذيل، التي تصدت لهم خلال هجومهم على مكة.

أشهر شخصيات القرامطة

1. حمدان قرمط – مؤسس الحركة.

2. أبو سعيد الجنابي – مؤسس الدولة القرمطية في البحرين.

3. أبو طاهر الجنابي – قائد هجوم مكة.

4. أبو الفضل الأصفهاني – ادعى أنه المهدي المنتظر.

5. الحسن الأعصم – القائد العسكري البارز.

نهاية القرامطة


ضعفت الدولة القرمطية تدريجيًا بسبب الانقسامات الداخلية، الهزائم العسكرية، والتغيرات السياسية. تحالف العيونيون مع العباسيين والسلاجقة لطردهم، وتمكنوا من القضاء عليهم تمامًا عام 1077 م، بعد سقوط آخر معاقلهم في البحرين.

المصادر


1. الطبري، محمد بن جرير – “تاريخ الرسل والملوك”.

2. ابن الأثير، علي بن محمد – “الكامل في التاريخ”.

3. ابن خلدون، عبد الرحمن – “تاريخ ابن خلدون”.

4. المقريزي، تقي الدين – “اتعاظ الحنفا”.

5. البغدادي، عبد القاهر – “الفرق بين الفرق”.

6. حسين، حسن إبراهيم – “تاريخ الإسماعيلية”.

7. محمد الجوهر، أمين – “القرامطة: نشأتهم وسقوطهم”.