معركة وادي الصفراء

322
‎⁨معركة وادي الصفراء⁩

تحركات العثمانيين نحو الحجاز


في عام 1226 هـ، قرر أمراء الروم التوجه إلى الحجاز، وأعدوا جميع أدوات الحرب، من السفن والمدافع والقنابر والبنادق وجميع ما يحتاجون إليه من الأموال والذخائر، بما في ذلك الطعام. اجتمعت العساكر من اسطنبول ونواحيها إلى الشام ومصر. وكان القائد المسؤول عن الحملة من جهة الروم هو محمد علي باشا، حاكم مصر. أرسل العساكر براً وبحراً، حيث أرسل بعضهم عبر السفن ليستولوا على بندر ينبع، بينما سير ابنه أحمد طوسون مع جيش كثيف على البر.

اجتماع العساكر والاستعداد للمواجهة


تجمعت العساكر البرية والبحرية في ينبع، وكان عدد الجنود القادمين من مصر نحو أربعة عشر ألف مقاتل، ومعهم أعداد كبيرة من الخيل. وعند وصولهم إلى ينبع، فر رئيس ينبع جابر بن جبارة متجهاً نحو المسلمين.

تحركات القوات السعودية بقيادة عبدالله بن سعود


عندما علم سعود بن عبد العزيز بمسير العثمانيين، حشد الجيوش من أهل نجد والجنوب والحجاز وتهامة، وسيرهم مع ابنه عبدالله الذي توجه مع جنوده ونزل في منطقة الخيف بوادي الصفراء قرب المدينة المنورة. اجتمع معه نحو ألف مقاتل، منهم ثمانية عشر وثمانمائة فارس. أمر عبدالله بوضع مجموعة من البوادي في الوادي المحاذي لموقعهم، تحسباً لهجوم مفاجئ من العثمانيين.

معركة وادي الصفراء


زحفت القوات العثمانية نحو المسلمين، فأرسل عبدالله طليعة من الجيش وفرساناً لمواجهتهم. استعد العثمانيون للهجوم، وتعرض المسلمون لخسائر أولية حيث قُتل اثنان وثلاثون رجلاً. نزلت قوات العثمانيين قبالة مواقع المسلمين، ليبدأ الاشتباك المباشر بين الطرفين.

صمود القوات السعودية


تولى عبدالله قيادة المعركة، وعيّن على فرسانه أخاه فيصل بن سعود وحباب بن قحيصان المطيري. بدأ القتال الشرس بين الطرفين، وتبادلوا الضربات على مدى عدة أيام. رغم صمودهم، عانى المسلمون من ضغط العثمانيين، وانهزم بعض الأعراب المتحالفين مع القوات السعودية، إلا أن بقية القوات السعودية استمرت في المعركة.

تعزيزات من مسعود بن مضيان


عندما رأى عبدالله الحاجة لتعزيزات، أرسل إلى مسعود بن مضيان ومن معه من بوادي حرب وأهل الوشم لشن هجوم على العثمانيين. انطلقوا في هجوم مباغت مع جنود المسلمين، مما أحدث ارتباكاً في صفوف العثمانيين وأدى إلى انكسار صفوفهم.

الهزيمة العثمانية والاستيلاء على الغنائم


انهزمت القوات العثمانية وتراجعت نحو ينبع، حيث فقدوا العديد من الجنود والأدوات العسكرية، بما في ذلك سبعة مدافع وخيام وكثير من الأسلحة والذخائر. لم ينجُ منهم إلا الفرسان الذين فروا بسرعة مع قادتهم. ماتت غالبية خيولهم من الجوع والعطش، بينما استطاع الناجون الوصول إلى البريكة، حيث ركبوا السفن عائدين إلى ينبع. قُتل من قواتهم عدد كبير، ويقدر القتلى بأكثر من أربعة آلاف جندي.

أبرز شهداء المسلمين في المعركة


في هذه المعركة، قُتل من المسلمين نحو ستمائة رجل، بينهم عدد من الشخصيات البارزة، ومنهم:

مقرن بن حسن بن مشاري بن سعود: كان من قادة المسلمين المعروفين بشجاعتهم.

برغش بن بدر بن راشد الشبيبي: أحد الفرسان البارزين في قبيلته.

سعد بن إبراهيم بن دغيثر: من الشخصيات المؤثرة في صفوف المسلمين.

هادي بن قرملة: رئيس قبيلة قحطان، وله دور كبير في تعزيز صفوف المسلمين في المعركة.

مانع بن كرم: رئيس عبيدة، الذي قاتل بشجاعة في الصفوف الأمامية.

راشد بن شبعان: أخو محمد بن سالم، أمير بني هاجر، وكان له تأثير كبير في صفوف القبائل.

مانع أبو وحير العجمي: فارس مشهور بشجاعته ومهارته في القتال، قدم الكثير في المعركة قبل استشهاده.

الحج بعد المعركة


بعد النصر، وزع عبدالله بن سعود الغنائم وتوجه إلى مكة المكرمة لأداء الحج مع جنوده. انضم إلى والده، سعود بن عبد العزيز، الذي كان يحج للمرة الثامنة. اجتمع بهم أهل الأحساء وعمان ونجد والجنوب والحجاز واليمن وتهامة.

إقامة سعود بن عبد العزيز في مكة


أقام سعود في قصر البياضية الشمالي بمكة، وتبادل الهدايا مع الشريف غالب. كما أمر بكسوة الكعبة المشرفة بالقيلان والديباج الأسود، وجعل إزارها وكسوة بابها من الحرير المطرز بالذهب والفضة. عمل على نشر النظام بين الحجاج ومنع المحظورات مثل شرب التبغ وترك الصلاة. بعد أداء الحج، غادر سعود وابنه مكة في العشر الأواخر من ذي الحجة، وأرسل قوات إلى المدينة لحمايتها.

الحملات على العراق


في مطلع العام ذاته، قاد عبدالله بن سعود حملة على العراق، مستهدفاً عربان آل قشعم ورئيسهم ناصر بن قشعم. أغار على مخيماتهم، وقتل العديد منهم قرب بلدة الحلة في العراق، واستولى على جزء من مخيمهم، فيما تراجع باقي العسكر العثماني الذي كان متمركزاً مع البوادي في تلك المنطقة.

المصادر


-الدرر السنية – عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب التميمي
-تاريخ الجبرتي – عبد الرحمن الجبرتي
-عنوان المجد في تاريخ نجد – عثمان بن عبد الله ابن بشر
-رحلات إلى شبه الجزيرة العربية – جون لويس بوركهارت