الدولة الأموية

13

مقدمة


شكّلت الدولة الأموية (41–132 هـ / 661–750 م) مرحلةً محورية في التاريخ الإسلامي، إذ توسعت فيها رقعة الدولة وازدهرت الحضارة، لكن تاريخها تعرّض لانتقادات حادة من خصومها السياسيين والفكريين. هذا المقال يستعرض نبذة عن أصل بني أمية، ويُفنّد أسباب تشويه سمعتهم التاريخية، ويُبرز إسهاماتهم الحضارية والسياسية التي غُيّبت عن الأنظار.

التعريف ببني أمية


تنسب الدولة الأموية إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أحد سادات قريش في الجاهلية. كان أمية وخاله هاشم بن عبد مناف (جد النبي محمد ﷺ) متنافسين على الزعامة، وتحوّل هذا التنافس لاحقاً إلى عداء بعد ظهور الإسلام. وقف بنو أمية في صف المعارضين للدعوة الإسلامية في مكة، بينما حمى بنو هاشم النبي ﷺ. دخل بنو أمية الإسلام متأخرين، بعد فتح مكة (8 هـ)، لكنهم لعبوا أدواراً كبيرة بعد إسلامهم، خاصة في الفتوحات وإدارة الدولة.

تشويه تاريخ بني أمية: الأسباب والمظاهر


تعرض تاريخ الأمويين لتشويهٍ منهجي، يعود لأسباب سياسية ومذهبية، أبرزها:

1. الكتابة التاريخية في العصر العباسي:

   – دُوّن معظم التاريخ الإسلامي في العصر العباسي، الذي أطاح بالدولة الأموية، فسعى لتهميش إنجازاتها وتضخيم أخطائها.

2. الموقف الشيعي والخوارج:

   – اتهمهم الشيعة باغتصاب حق علي بن أبي طالب في الخلافة، واعتبرهم الخوارج خارجين عن الشرع.

3. تضخيم الأحداث السلبية:

   – ركز المؤرخون على أحداث كـمقتل الحسين في كربلاء (61 هـ)، ووقعة الحرة (63 هـ)، وهدم الكعبة بالمنجنيق في حصار ابن الزبير (73 هـ)، متجاهلين سياقاتها السياسية كتمردات على السلطة الشرعية.

4. تشويه شخصيات بارزة:

   – نُسبت إلى خلفاء مثل يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد مرويات مُبالغ فيها عن الفسق، بينما وُصم ولاتهم كـالحجاج بن يوسف بالقسوة، دون ذكر إدارتهم الفعالة للدولة.

5. إغفال الإيجابيات:

   – طُمس دورهم في نشر الإسلام، واختزل تاريخهم في الصراعات الداخلية، رغم أن عهدهم شهد ازدهاراً حضارياً غير مسبوق.

فضائل بني أمية وإنجازاتهم


رغم التشويه، حقق الأمويون إنجازاتٍ عظيمة:

1. خلفاء وعلماء:

– معاوية بن أبي سفيان: صحابي جليل، مؤسس الدولة الأموية، وأول من نظم الحكم بالإسلام.

– عبد الملك بن مروان: فقيه وعالم، وحّد الدولة وقضى على الفتن، وعرب الدواوين.

– عمر بن عبد العزيز: الخليفة الراشدي الخامس، أصلح النظام المالي وأعاد العدالة الاجتماعية.

2. الفتوحات الإسلامية الكبرى:

– وصلت الدولة لأقصى اتساعها: من **الصين** شرقاً إلى **الأندلس** وجنوب فرنسا غرباً.

– تأسيس أول أسطول بحري إسلامي، وفتح قبرص ورودس.

3. الإعمار والتنمية:

– بناء المدن الجديدة كـالقيروان في تونس و واسط في العراق.

– شق القنوات المائية، وتنمية الزراعة، مثل مشروع نهر معاوية في دمشق.

– تطوير العمارة الإسلامية، كقبة الصخرة في القدس.

4. الحفاظ على النظام الإسلامي:

– احترام استقلالية القضاء، وتقديم العلماء في المجالس.

– الحفاظ على هيبة الدولة وسط تحديات التمردات والفتن.

رؤية موضوعية لتاريخ الأمويين


ينبغي تقييم الدولة الأموية بإنصاف، باعتبارها حلقة وصل بين الخلافة الراشدة والعصر العباسي. صحيح أن النظام السياسي شهد تحولاً نحو الملكية، لكن المجتمع حافظ على قيمه الإسلامية، كما يشهد الحديث النبوي: *”خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم…”* (صحيح البخاري). والأمويون – كبشر – وقعوا في أخطاء، لكن إنجازاتهم العسكرية والحضارية تُجاورر تلك الهفوات.

خاتمة


التاريخ ساحة صراعٍ بين الروايات. ولفهم حقبة بني أمية، يجب تجاوز النظرة الأحادية التي روّجها خصومهم، والاعتراف بدورهم في نشر الإسلام وتشييد حضارة استوعبت شعوباً متنوعة. فتاريخهم ليس أسود أو أبيض، بل هو لوحة من الإبداع البشري والتعقيد الإنساني.

المصادر


١. كتاب موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر – للمؤلف الباحث المؤلف. أحمد معمور العسيري