إمارة المنتفق
المنتفق اسم قبيلة عربية شهيرة، تنتسب إلى المنتفق بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهم من صميم العرب العدنانية، وكانت ديارهم تمتد من جنوب العراق إلى شمال شرق شبه الجزيرة العربية، مما أعطاهم موقعًا استراتيجيًا مؤثرًا في تاريخ المنطقة.
أما تاريخ المنتفق القديم فتبقى تفاصيله في بعض المواضع غامضة، إلا أن المصادر تشير إلى أن ظهورهم كقوة عشائرية مؤثرة بدأ مبكرًا، ففي عام ٣٧٨هـ/٩٨٨م، وعندما هجمت جموع القرامطة على مدينة البصرة، كان شيخ المنتفق حينها هو القائد المعروف بالشيخ أصغر. وقد قاد هذا الشيخ جموع المنتفق، وسار نحو الأحساء لمواجهة المعتدين. ووقعت هناك معركة عنيفة بالقرب من الأحساء، انتهت بهزيمة القرامطة وفرار قائدهم، واغتنم المنتفقيون غنائم كثيرة. توجه بعدها الشيخ أصغر إلى القطيف، فاستولى على ممتلكات القرامطة فيها، وعاد إلى البصرة منتصرًا، حاملاً معه رايات الفخر ومجد القبيلة. واستمر في مشيخة القبيلة حتى وفاته عام ٤١٠هـ/١٠١٩م، لتنتقل الزعامة بعدها إلى عدد من الشيوخ تباعًا، إلى أن آل الأمر إلى أسرة آل شبيب.
مع مرور القرون، تطورت هذه القبيلة إلى اتحاد عشائري ضخم عُرف باسم “إمارة المنتفق”، وهو أحد أكبر الاتحادات القبلية التي شهدها العراق عبر تاريخه، حيث ضم قبائل وعشائر من مختلف الأصول، سنّة وشيعة، حضراً وبادية، بل حتى جماعات غير مسلمة مثل اليهود والصابئة والمسيحيين، جميعهم خضعوا لحكم عشائري موحد تحت مشيخة فعليّة قادتها أسرة آل شبيب، التي انتقلت لاحقًا الي آل سعدون نسبةً إلى الأمير سعدون بن محمد.
تأسست الإمارة فعليًا في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، حوالي عام 1530م، واستمرت حتى عام 1918م، حين سقطت تحت ضربات القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى بعد صراع دام أربع سنوات، قاده من جانب الإمارة الأمير البطل عجمي السعدون ومعه الشيخ عبد الله الفالح السعدون.
شهدت الإمارة أوج قوتها في عهد الأمير مانع بن شبيب في أواخر القرن السابع عشر، حيث بسط سلطته على مناطق واسعة من جنوب العراق حتى الأحساء على الخليج العربي، وامتد نفوذ الإمارة على حساب الدولة العثمانية، وواصل ابنه الأمير مغامس بن مانع المسير فانتزع البصرة من العثمانيين عام 1705م، وأسس حكمًا مدنيًا تميز بإنشاء المدارس والمحاكم، كما صك عملة باسمه وتداولها الناس آنذاك، وحظي باعتراف عدة قوى أوروبية. وفي عام 1787م، أعاد الأمير ثويني بن عبد الله الشبيبي السيطرة على البصرة، وأسر متسلّمها العثماني إبراهيم أفندي، وطرد الحامية العثمانية منها، لتعود المدينة إلى سيادة الإمارة.
ساهم حكام الإمارة كذلك في تأسيس عدة مدن لا تزال قائمة حتى اليوم، مثل سوق الشيوخ التي كانت عاصمة لهم فترة طويلة، والناصرية، والشطرة، وغيرها من الحواضر المهمة جنوب العراق، التي أصبحت لاحقًا مراكز إدارية وثقافية واقتصادية.
وبعد وفاة الأمير ثويني بن عبد الله بن محمد الشبيبي في عام 1797م، آلت زعامة المنتفق إلى آل سعدون، أبناء الأمير ثامر بن سعدون بن محمد. وقد أُطلق عليهم لقب “آل سعدون” نسبة إلى جدهم سعدون بن محمد، واستمر حكمهم للإمارة حتى نهاية الدولة العثمانية عام 1918م بعد ضعف الدولة العثمانية وتزايد التدخل البريطاني في المنطقة.
وهكذا كانت إمارة المنتفق تمثل واحدة من أقدم وأقوى الكيانات العشائرية والسياسية في العراق، وقد تميزت بالتنوع المجتمعي، والقوة العسكرية، والقدرة على بناء مؤسسات محلية، ما جعلها فاعلًا رئيسيًا في تاريخ العراق الحديث.
صور ووثائق
المصادر
- التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية – المؤلف: الشيخ محمد بن خليفة النبهاني.
- تاريخ العراق في عهد المماليك.
- مباحث عراقية – المؤلف: يعقوب سركيس.
- أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث.
- تاريخ العراق بين احتلالين – المؤلف: عباس العزاوي، موسوعة تاريخية شاملة من عدة أجزاء.